لا أحد ينكر أهمية التعليم، وهنا نتحدث عن التعليم التقليدي الذي يمر به معظم أفراد مجتمعنا، وهو يعتبر عنصرًا مهمًا في بناء المهارات والمعرفة. لكن بالرغم من أهميته وجودته، إلا أن هناك مجالات معينة لا يغطيها بشكل كامل؛ مثل تنمية التفكير النقدي، النضج الشخصي، والمسؤولية. مع تزايد عدد الخريجين سنويًا، تشير بعض الدراسات إلى وجود فجوة بين توقعات المؤسسات التعليمية واستعداد الطلاب لسوق العمل، إذ يرى أصحاب العمل أن هناك نقصًا في المهارات القيادية ومهارات التواصل الفعال. بالإضافة إلى ذلك، يختار العديد من الخريجين مسارات وظيفية تقليدية بحثًا عن الاستقرار، مما قد ينعكس على معدلات المبادرة داخل بيئة العمل. وتثير هذه الاتجاهات تساؤلات حول أثرها على مستقبل المجتمع وسوق العمل.
حين نتجاهل هذه الفجوة، فإننا نترك مساحة فارغة تملؤها السطحية، أو التبعية، أو الجمود.
إعادة تعريف التعليم يجب أن يشمل بناء الوعي القيادي، وتعزيز المسؤولية الفردية، وتدريب الشباب على اتخاذ القرار والمبادرة. فالتعليم بلا إرشاد، كالسفينة بلا بوصلة.
هل شبابنا مهتمون بتولي زمام القيادة؟
تتسارع التحولات في منطقتنا العربية اقتصاديًا، اجتماعيًا، وسياسيًا. والشباب يقفون في الصفوف الأولى لهذه التحولات، لكن السؤال: هل يمتلكون الدافع والشغف لقيادة هذه المرحلة؟
المرحلة الحالية تحتاج إلى شباب ليسوا مجرد منفذين، بل قادة مبادرين يوجهون الدفة نحو المستقبل. لكن أمام أعينهم، يرون في الأخبار وعلى المنصات أمثلة لقادة يفتقدون لقيم القيادة الحقيقية، فيزداد الإحباط ويقل الطموح.
التقارير تؤكد هذا الواقع؛ فقد نُشر مؤخرًا أن جيل Z أصبح أكثر تجنبًا لأدوار القيادة بنسبة 70% مقارنة بالأجيال السابقة، بينما ذكر تقرير آخر أن6% فقط من جيل Z يسعى للوصول إلى المناصب التنفيذية التي باتت مرتبطة لديهم بالإرهاق والبيروقراطية وفقدان الأصالة. هذه الأرقام مقلقة، لكنها أيضًا دعوة للتحرك.
هنا يأتي دورنا في حنّان
يوجد فرق بين إعداد شاب لمهنة يؤدي واجباتها، وبين إعداد قائد لمهمة أكبر. المهنة تعتمد على المهارات التقنية، أما المهمة فتتطلب وعيًا أوسع، وقدرة على التفكير الاستراتيجي، وانضباطًا ذاتيًا، وشجاعة لاتخاذ القرارات حتى في أصعب الظروف. المطلوب اليوم ليس موظفين أكفاء فحسب، بل أشخاص قادرون على إحداث أثر حقيقي في مؤسساتهم ومجتمعاتهم.
يمكن لأي طالب متفوق أن يحصل على أعلى الدرجات، لكن هذا لا يعني أنه قادر على اتخاذ قرار صعب، أو أن لديه الحضور الذي يلهم الآخرين. هناك مهارات لا تُبنى فقط من خلال المقررات، بل تتشكل في بيئات مليئة بالتجربة الحية: مشاريع جماعية، تحديات عملية، مواقف تتطلب حسمًا وشجاعة، وفرص للاختيار وتحمل المسؤولية.
هنا تأتي أهمية البرامج التي نتبناها في حنّان والتي تمزج بين القيم، والتجربة، والممارسة العملية، حيث يتعلم الشباب أن القيادة ليست لقبًا أو منصبًا، قد تكون داخل المؤسسة، أو داخل الأسرة، أو حتى قيادة المرء لنفسه، فالقيادة موقف وسلوك. وأن النهضة لا تُبنى بالمعلومات وحدها، بل بالأشخاص القادرين على استخدامها لبناء مستقبل أفضل. تبدأ مهمتنا بأن نمنح الشباب أدوات القيادة، ومهارات التفكير النقدي، وفنون العمل الجماعي، وأن نعيد إليهم الثقة بأنهم ليسوا مجرد جزء من القصة، بل صانعوها. فحين يقود الشباب أنفسهم أولًا، يصبحون قادرين على قيادة غيرهم، وعندها فقط نضمن أن السفينة تمضي إلى بر الأمان، لا إلى بحر المجهول.