ما المهم في إعادة تعريف التمكين؟
حين نتحدث عن التمكين، ربما يتبادر إلى الأذهان، تطوير الموظف في وظيفته، أو منحه بعض الأدوات التقنية ليؤدي مهامه بكفاءة أكبر. إنما لا يقتصر التمكين المُبتغى على ذلك، بل يتجاوز حدود المكتب والمسمى الوظيفي. التمكين هو بناء الإنسان كليةً، فكرًا، ووجدانًا، وقيمًا، وقدرةً على مواجهة التحديات.
في عالم يمر باضطرابات اقتصادية، وهجرة للكفاءات، وانكماش للفرص، نسأل أنفسنا: هل ندرب الناس ليكونوا موظفين أفضل فقط؟ أم نعدهم ليكونوا قادةً في حياتهم، قادرين على التكيف مع الأزمات، وإيجاد المعنى والفرص حيث يراها غيرهم معدومة؟
توجيه العقلية
قبل أن نتحدث عن المهارات، يجب أن نتحدث عن العقلية.
في مدارس الكوتشنج العالمية مثل نموذج الاتحاد الدولي للكوتشنج، هناك مبدأ محوري: Coaching the mind، أي تدريب العقل على التفكير بطريقة جديدة، على رؤية الذات كقوة فاعلة، لا مجرد تابع للظروف.
فالقائد الحق لا يُبنى من شهادة أو دورة، بل وضوح قيمه، من معرفته بمصادر قوته وضعفه، ومن قدرته على كسر الحواجز النفسية والاجتماعية التي تعيق تقدمه، بهذه العقلية، يبدأ التمكين من الداخل، ثم تنمو المهارات.
المسار المهني يتخطى حدود الوظيفة
الوظائف تتغير، والشركات تصعد وتهبط. لكن المسار المهني الحقيقي هو رحلة طويلة تتجاوز اللحظة الحالية.
مواءمة القيم مع العمل: هل يعكس ما أقوم به ما أؤمن به؟
الرؤية طويلة المدى: هل أعمل من أجل المستقبل، أم فقط من أجل الراتب؟
التفكير الريادي: هل أنتظر الفرص لتأتي إليّ، أم أتعلم كيفية خلقها؟
هذا التحول يجعل الفرد يقود مساره بنفسه بدل أن يسير فيه مغمض العينين.
التكامل بين التوجيه الشخصي والمهني
ربط هويتي بما أحققه.
يحدث التمكين عندما نوازن بين هوية الشخص وإنجازاته المهنية. جلسات الحوار التي تساعد الشباب على تحديد أهدافهم الشخصية هي نفسها التي ترسم مسارهم المهني. التدريب على المهارات الناعمة مثل الذكاء العاطفي، وإدارة الذات، وفن التفاوض يعزز قيمهم الداخلية بقدر ما يطور قدراتهم العملية.
ليس هذا تدريبًا على الورق، بل هو رحلة مستمرة، فيها دعم نفسي ومهني، وفيها قدوات ملهمة وقصص نجاح واقعية، تمنح المتدرب الأمل أن التغيير ممكن مهما كانت الظروف.
ما أهمية ذلك للشباب السوري اليوم؟
الشباب السوري يعيش واقعًا مليئًا بالتحديات: فرص عمل محدودة، أفق اقتصادي ضيق، ومشاعر إحباط أو جمود. لكن في قلب هذه التحديات، توجد فرصة أعظم: أن يتحول التدريب من مجرد دورة إلى تجربة شاملة للتمكين:
- أن يلتقي الشاب بمن يلهمه ويشجعه على اكتشاف ذاته.
- أن يختبر مواقف عملية تبني فيه الثقة والشجاعة.
- أن يرى قدوات محلية صنعت نجاحًا رغم الظروف، فيدرك أن الطريق مفتوح أمامه هو أيضًا.
الإنسان المُمَكّن هو القائد
حين نمكن الإنسان، فإننا نحرره من قيود المسمى الوظيفي. المسمى قد يتغير، الشركة قد تتغير، وحتى الوطن قد تتغير ظروفه… لكن الإنسان المُمَكّن يبقى قادرًا على التكيف، على المبادرة، وعلى القيادة.
إن الاستثمار الحقيقي ليس في تدريب الموظف على مهارة واحدة، بل في بناء إنسان متوازن، قيمًا، وعقلاً، ومهارةً، وهذا هو ما نحتاجه الآن أكثر من أي وقت مضى، ألا ندرب موظفًا، بل أن نوقظ القائد الكامن في داخله.
من الفكرة إلى الفعل… هنا تبدأ حنّان
التمكين الذي نحلم به ليس نظريًا ولا مؤقتًا، بل رحلة تبدأ من الإنسان وتعود إليه، وهذا ما تقوده حنّان اليوم: بيئة تنمو فيها العقول قبل المهارات، وتُصقل فيها القيم قبل السير الذاتية، ويُصنع فيها القادة من الشباب مهما كانت نقطة بدايتهم.
في مؤسسة حنان، نحن لا نُعِد موظفين. نحن نزرع بذور قادة قادرين على التكيف والابتكار وقيادة التغيير في مجتمعاتهم. كل شاب وشابة نؤمن بهم، هم قصة تمكين جديدة… وقصة أمل لسوريا الغد.