Skip to main content
المجتمع

الشارع السوري جزءٌ من أراضينا

By أكتوبر 5, 2025نوفمبر 23rd, 2025No Comments

الشارع مرآة لبيوتنا وهويتنا

لطالما تعلمنا منذ نعومة أظفارنا أهمية النظافة، حتى صارت جزءًا من موروثاتنا اليومية. أمهاتنا يحرصن على أن نظهر بأبهى حلة، وآباؤنا يؤكدون على ترتيب منازلنا، لكن ما إن نغادر عتبة البيت حتى تتبدد تلك القيم وكأنها محصورة بين الجدران. السؤال الذي يجب أن يُطرح: لماذا تتوقف مسؤوليتنا عند باب المنزل، وننسى أن الشارع هو امتداد لهويتنا وبيئتنا ومجتمعنا؟

الهوية والسلوك… علاقة متجذرة

إن نظافتنا الشخصية ونظافة منازلنا ليست سوى انعكاس لما يجب أن يكون عليه سلوكنا في الأماكن العامة. الشارع، الحي، المدينة… كلها أجزاء من وطننا وأرضنا، نعيش فيها وتعيش فينا. حين نهمل نظافة الشارع، فنحن نعكس صورة سلبية عن أنفسنا أمام العالم وأمام الأجيال القادمة. من غير المنطقي أن نعتني ببيوتنا ونترك أزقتنا غارقة في الفوضى، فالمكان هو جزء من هويتنا الجماعية وأخلاقنا الوطنية.

لماذا الفوضى رغم تراثنا العريق في النظافة؟

حين نتأمل في تراثنا، فسنجد أن النظافة قيمة أصيلة في ثقافتنا العربية والإسلامية. وقد كان الاهتمام بالمكان جزءًا من العبادة والسلوك اليومي. فكيف وصلنا اليوم إلى حالة من التهاون في الأماكن العامة، حتى بدت الفوضى وكأنها قدر محتوم؟

من المسؤول؟

قد يبرئ البعض نفسه بحجة التزامه الشخصي، وأحيانًا يتولد لدينا شعور بالإحباط: “ما فائدة أن ألتزم وأنا أرى غيري يستهين؟”، لكن الحقيقة أن كل فرد مسؤول بشكل مباشر أو غير مباشر. حتى الصمت أو عدم المبادرة هو موقف يؤثر في النتيجة النهائية. التغيير لا يحدث بين ليلة وضحاها، ولا يصنعه فرد واحد أو جهة واحدة؛ بل هو ثمرة وعي جماعي وممارسة يومية تبدأ من أصغر التفاصيل.

حين ننظر للمشكلة كأمر يمكن تغييره، مهما بدت تفاصيلها معقدة، نكون قد خطونا الخطوة الأولى نحو الحل. لنبدأ برؤية الشارع كجزء من بيتنا الكبير، لنشعر أن المحافظة على نظافته ليست عبئًا، بل شرفًا وواجبًا وطنيًا.

دروس من العالم

لننظر إلى سنغافورة، التي تحولت من دولة كانت تعاني من التلوث والفوضى في شوارعها في سبعينيات القرن الماضي إلى واحدة من أنظف مدن العالم، بفضل مشروع تنظيف ضخم شمل الأنهار والشوارع، وبتشريعات صارمة ومشاركة مجتمعية فعالة، والأهم أنها زرعت في شعبها مفهوم “الشارع بيتنا”، وشجعت المدارس والأسر على تعزيز هذا السلوك. أصبحت سنغافورة مثالاً عالميًا للنظافة والنظام، وتحولت إلى واحة حضارية بفضل التعاون بين الدولة والمجتمع. لم يبدأ التغيير هناك من قرارات عليا فقط، بل من أفراد قرروا أن يكونوا جزءًا من الحل وليس المشكلة.

دورنا كأفراد ومجتمعات

لا ينبغي أن ننتظر الحلول السحرية من الحكومات وحدها. علينا أن نكون جزءًا من الحل، وأن نؤمن أن التغيير يبدأ من الذات. شرارة الأمل تنبع حين نغير نظرتنا للأمر وندرك أن كل تصرف صغير له أثر كبير. توعية أنفسنا ومن حولنا، تعليم أطفالنا قيمة النظافة العامة، ونشر ثقافة الحفاظ على البيئة هي الخطوة الأولى نحو مجتمع أفضل.

حلول عملية للحفاظ على الشارع السوري

  • إلقاء النفايات في المكان المخصص لها، ولو لم يوجد، حملها حتى نجد سلة مهملات.
  • تنظيم حملات تنظيف محلية بين الجيران والأصدقاء، وتحويلها إلى نشاط اجتماعي ممتع.
  • التوعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي بقصص وصور إيجابية، بدل التركيز على الشكوى والسلبية.
  • تشجيع الأطفال على المشاركة في نظافة الأماكن العامة، ليكبروا وهم يحملون هذه القيمة.
  • تبني مشروع بسيط، مثل الحفاظ على نظافة الزقاق أو الحي، ومشاركته مع الآخرين.
  • اقتراح أفكار للمجالس المحلية أو البلديات لتحسين الخدمات، ومراقبة تنفيذها بروح بناءة.
  • القدوة الحسنة: أن نكون نحن أول من يلتزم بالنظافة ونشجع الآخرين على الاقتداء بسلوكنا الإيجابي.

الشارع مرآتنا… فلنحافظ عليه

الشارع ليس مكانًا عابرًا، بل هو جزء من حياتنا اليومية وذكرياتنا وهويتنا السورية. إذا بدأ كل واحد منا بخطوة صغيرة، وامتدت العدوى الإيجابية إلى المحيطين به، سنجد أن التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل ويتسع ليشمل الجميع. لنحمل الأمل، ونتكاتف من أجل بيئة نظيفة تليق بتاريخنا وتمنح أبناءنا مستقبلاً أجمل. فالنظافة ليست حكرًا على أحد، بل مسؤولية جماعية نبني بها حضارتنا ونعيد لأرضنا تألقها وأمانها.