الوصول إلى المعلومة لم يعد أمرًا جليًا اليوم. فبضغطة زر، يمكن لأي طالب أو باحث أن يجد آلاف المقالات والدروس والشروحات، وفي دقائق قليلة، يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يلخص محاضرة جامعية استغرقت ساعات طويلة.
لكن وسط هذا الفيض الهائل من المعرفة، يبقى سؤال محوري: إذا كان كل شيء متاحًا بهذه السهولة، فلماذا ما زال كثير من الشباب يشعرون بالضياع؟
المعلومة وحدها لا تكفي
الحقيقة أن المعلومة وحدها لم تكن يومًا كافية. المعرفة مهمة، نعم، لكنها أداة. وما ينقص شبابنا اليوم ليس فقط المزيد من الدروس والشهادات، بل التجربة التي توقظ فيهم شيئًا أعمق: الإيمان بأنفسهم، وبأنهم قادرون على إحداث فرق حقيقي. إن تراكم الحقائق والمعارف لا يخلق تغييرًا حقيقيًا دون أن يتحول إلى تجربة ملموسة أو دافع داخلي يقود صاحبه إلى التساؤل والعمل.
أن يمتلك شبابنا المهارات والأدوات اللازمة أمر ضروري ولا خلاف عليه، لكن لا يكفيهم أن نعلمهم كيف ينجزون المهام، بل أن نساعدهم على اكتشاف سبب سعيهم وراءها، ولأجل من؟ هنا تكمن قوة التمكين. التمكين ليس معلومة تُلقّن، بل شرارة توقظ الشغف وتفتح البصيرة.
بين من يتذكر.. ومن يتغير
لو فكر كل واحد فينا بصدق: كم دورة حضرنا؟ كم كتابًا قرأنا؟ كم شهادة جمعنا؟ وأيضًا، كم من التجارب غيرت مسارنا فعلاً؟
الفرق الجوهري بين التعليم العابر والتجربة العميقة هو أن الأول يترك في ذاكرتنا معلومة، بينما الثانية تترك في أعماقنا تحولاً.
هناك شاب مثلًا في بداية العشرينات، كان يرى أن الدراسة مجرد سباق للحصول على شهادة، وأن العمل لاحقًا سيكون وظيفة تؤمن راتبًا آخر الشهر. مع مرور الوقت، بدأ يفقد الحافز. لم يعد يستيقظ بحماس للجامعة، ولا يرى معنى في المحاضرات المطولة.
لكن حين شارك في برنامج تفاعلي للشباب ركز على القيادة والوعي الذاتي. وجد أن الأمر لم يكن مجرد قاعة ومحاضر يتحدث، بل أنشطة عملية، وتمارين جماعية، ونقاشات مفتوحة. فتحت آفاقه ووسعت مداركه، جعلته ينظر إلى نفسه بجدية، ويسأل: ما الذي أريده؟ وماذا أستطيع أن أقدم؟
لم يخرج من البرنامج بمعلومة جديدة فقط، بل بيقين أنه قادر على صنع قيمة. بعدها بأشهر قليلة، بدأ مشروعًا صغيرًا مع أصدقائه، تحول تدريجيًا إلى مبادرة اجتماعية تركت أثرًا في محيطه. التجربة لم تملأ رأسه بالمعرفة، بل أيقظت قلبه وصوته الداخلي.
كيف نصنع تجربة توقظ؟
نحنُ في حنّان نؤمن بأنه إن أردنا إحداث هذا التحول، فلابد أن نبتكر طرقًا جديدة في التعليم والتدريب:
- التعلم التفاعلي حيث لا يكتفي الشاب بالجلوس مستمعًا، بل يشارك، يناقش، ويجرب بيديه.
- الإرشاد الفردي لأن لكل إنسان طريقته الخاصة، وصوته الفريد، حين يجد مرشدًا يصدقه ويؤمن به، يبدأ في رؤية نفسه من زاوية جديدة.
- التدريب العملي والبدني فربط العقل بالجسد يعزز الانضباط، ويزرع الثقة، ويعلم الشباب أن القيادة ليست نظرية فقط، بل ممارسة يومية.
- شراكات محلية وعالمية تثري المحتوى وتفتح الأفق أمام تجارب عالمية، فيدرك الشاب أن قصته مرتبطة بعالم أكبر.
- مساحات آمنة للتجربة والخطأ حيث يسمح للشاب أن يخطئ دون خوف، وأن ينهض أقوى وأكثر إصرارًا.
قيم حنّان تصنع أثرًا لا ينسى
الاستيقاظ الحقيقي للشباب لا يحدث بالصدفة، بل يُبنى على قيم نعيشها ونترجمها في كل تجربة نقدمها. قيمنا الخمسة في حنّان هي المفاتيح التي نؤمن أنها تُحدث هذا التحول:
- التمكين: نمنح الشباب الأدوات، الثقة، والمساحة ليكونوا صناع قرار لا متلقين فقط.
- الابتكار: نكسر القوالب التقليدية، ونبتكر أساليب تعليمية وتدريبية تعكس روح هذا الجيل وتفتح أمامه آفاقًا جديدة.
- الاستدامة: نركز على الأثر العميق طويل المدى، لا على نتائج سريعة تزول مع الوقت.
- الشراكة: نؤمن أن التجربة تصبح أغنى حين تبنى مع الآخرين، سواء عبر التعاون المحلي أو الانفتاح على العالم.
- الشفافية: نضع الصدق والوضوح في صميم كل ما نقدمه، لأن القيادة الحقيقية تبدأ من الثقة.
القادة لا يُصنعون من المعلومات وحدها، بل من لحظة صدق يكتشفون فيها صوتهم الداخلي. قد تكون هذه اللحظة كلمة صادقة من مرشد، أو تجربة عملية في فريق، أو تحديًا بدنيًا أعاد لهم الثقة، أو حتى فشلاً واجهوه ثم نهضوا من بعده. وأحيانًا، كل ما يحتاجه الشباب هو فرصة واحدة… لا ترسم له الطريق، بل توقظه كي يراه بنفسه.
نحن هنا ندعوكم لأن ترافقونا في حنّان رحلة التحول التي لا تشبه غيرها، تكتشفون فيها ذاتكم، وتعيشون قيمنا عن قرب. لتكونوا أنتم القصة القادمة للتمكين والشراكة والابتكار، وتتركوا أثرًا يبقى وقيادة تصنعها أيديكم.